فصل: تفسير الآية رقم (58):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (56):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [56].
{إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم} أي: فلا تصلون إلى بسوء لتوكلي على الله: {مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} أي: مالك لها، قادر عليها، يصرفها كيف شاء.
قال القاشاني: بيَّن وجوب التوكل على الله، وكونه حصناً حصيناً أولاً بأن ربوبيته شاملة لكل أحد، ومن يرب يدبر أمر المربوب ويحفظه، فلا حاجة له إلى كلاءة غيره وحفظه، ثم بأن كل ذي نفس تحت قهره وسلطانه، أسير في يد تصرفه ومملكته وقدرته عاجز عن الفعل والقوة والتأثير في غيره، لا حراك به بنفسه، كالميت، فلا حاجة إلى الاحتراز منه- انتهى-.
والناصية: منبت الشعر من مقدم الرأس، وتطلق على الشعر النابت فيها أيضاً، تسمية للحال باسم المحل، يقال: نصوت الرجل: أخذت بناصيته.
وفي العناية: وقولهم: ناصيته بيده، أي: منقاد له. والأخذ بالناصية عبارة عن القدرة والتسلط، مجازاً أو كناية.
وقوله تعالى: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} تعليل لما يدل عليه التوكل، من عدم قدرتهم على إضراره، أي: هو على طريق الحق والعدل في ملكه، فلا يسلطكم علي، إذ لا يضيع عنده معتصم به، ولا يفوته ظلم.
قال في العناية: هو تمثيل واستعارة؛ لأنه مطلع على أمور العباد، مجاز لهم بالثواب والعقاب، كاف لمن اعتصم، كمن وقف على الجادة فحفظها، ودفع ضرر السابلة بها.
وهو كقوله: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14] والاقتصار على إضافة الرب إلى نفسه، إما بطريق الاكتفاء لظهور المراد، وإما للإشارة إلى أن اللطف والإعانة مخصوصة به دونهم.

.تفسير الآية رقم (57):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} [57].
{فَإِن تَوَلَّوْاْ} أي: تتولوا، بحذف إحدى التاءين: {فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} أي: فقامت الحجة عليكم: {وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ} استئناف بالوعيد لهم. أي: فيهلكهم، ويجيء بقوم آخرين يخلفونكم في دياركم وأموالكم: {وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً} أي: بتوليكم؛ لاستحالته عليه، بل تضرون أنفسكم. أو بذهابكم وهلاككم لا ينقص من ملكه شيء: {إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} أي: رقيب عليه مهيمن، فلا تخفى عليه أعمالكم، فيجازيكم بحسبها، أو حافظ حاكم مستول على كل شيء، فلا يمكن أن يضره شيء.

.تفسير الآية رقم (58):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} [58].
{وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا} أي: عذابنا، أو أمرنا بالعذاب، وهو الريح العقيم: {نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} وقد بين في غير آية، منها قوله: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 6- 7].
فإن قلت: ما معنى تكرير التنجية؟ فالجواب: لا تكرير فيه؛ لأن الأول إخبار بأن نجاتهم برحمة الله وفضله، والثاني بيان ما نجوا منه، وأنه أمر شديد عظيم لا سهل، فهو للامتنان عليهم، وتحريض لهم على الإيمان. أو الأول إنجاء من عذاب الدنيا، والثاني من عذاب الآخرة، تعريضاً بأن المهلكين كما عذبوا في الدنيا بالسموم فهم معذبون في الآخرة بالعذاب الغليظ. ويرجح الأول بملاءمته لمقتضى المقام.

.تفسير الآية رقم (59):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [59].
{وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ} تأنيث اسم الإشارة باعتبار القبيلة. وصيغة البعيد لتحقيرهم، أو لتنزيلهم منزلة البعيد؛ لعدمهم. وإذا كانت الإشارة لمصارعهم، فهي للبعيد المحسوس، وتعدى الجحود بالباء حملاً له على الكفر؛ لأنه المراد. أو بتضمينه معناه، كما أن كفر جرى مجرى جحد. فتعدى بنفسه في قوله: {كَفَرُوا رَبَّهُمْ} [هود: 60]. وقيل: كفر كشكر يتعدى بنفسه وبالحرف. وظاهر كلام القاموس: أن جحد كذلك.
والمعنى: كفروا بالله، وأنكروا آياته التي في الأنفس والآفاق الدالة على وحدانيته. وجمع الرسل مع أنه لم يرسل إليهم غير هود عليه الصلاة والسلام، تفظيعاً لحالهم، وإظهاراً لكمال كفرهم وعنادهم، ببيان أن عصيانهم له عليه الصلاة والسلام عصيان لجميع الرسل السابقين واللاحقين؛ لاتفاق كلمتهم على التوحيد: {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: من الآية 285] كذا في العناية وأبي السعود.
{وَاتَّبَعُواْ} أي: أطاعوا في الشرك: {أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} لا يستدل بدليل، ولا يقبله من غيره. يريد: رؤساءهم وكبراءهم، ودعاتهم إلى تكذيب الرسل.

.تفسير الآية رقم (60):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} [60].
{وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: جعلت تابعة لهم في الدارين، أي: لازمة.
قال أبو السعود: والتعبير عن ذلك بالتبعية للمبالغة، فكأنها لا تفارقهم، وإن ذهبوا كل مذهب، بل تدور معهم حيثما داروا. ولوقوعه في صحبة إتباعهم رؤساءهم. يعني: أنهم لما اتبعوهم أُتبعوا ذلك جزاء وفاقاً.
{أَلا إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ} إذ عبدوا غيره- وتقدم تعدية كفر-: {أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} دعا عليهم بالهلاك أو باللعنة، وفيه من الإشعار بالسخط عليهم والمقت ما لا يخفى فظاعته. وتكرير حرف التنبيه وإعادة عاد للمبالغة في تهويل حالهم، والحث على الاعتبار بنبئهم. و{قوم هود} عطف بيان لعاد فائدته النسبة بذكره عليه السلام، الذي إنما استحقوا الهلاك بسببه، كأنه قيل: عاد قوم هود الذين كذبوه. وتناسب الآي بذلك أيضاً، فإن قبلها: {وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [هود: من الآية 59]. وقبل ذلك {حفيظ} و{غليظ}، وغير ذلك مما هو على وزن فعيل المناسب لفعول في القوافي، والله أعلم.

.تفسير الآية رقم (61):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} [61].
{وَإِلَى ثَمُودَ} عطف على ما سبق بيانه من قوله: {وَإِلى عَادٍ} أي: وأرسلنا إلى ثمود، وهي قبيلة من العرب: {أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ} أي: كونكم منها وحده، فإنه خلق آدم، ومواد النطف التي خلق نسله منها، من التراب: {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} أي: عمركم فيها، أو جعلكم عمارها، أي: جعلكم قادرين على عمارتها، كقوله تعالى في الأعراف: {وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً} [الأعراف: من الآية 74]، {فَاسْتَغْفِرُوهُ} أي: من الشرك: {ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ} بالتوحيد: {إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} أي: قريب الرحمة لمن استغفره، مجيب دعاءه بالقبول.

.تفسير الآية رقم (62):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} [62].
{قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا} أي: كانت تلوح فيك مخايل الخير، وأمارات الرشد، فكنا نرجوك لننتفع بك، وتكون مشاوراً في الأمور، ومسترشداً في التدابير، فلما نطقت بهذا القول انقطع رجاؤنا عنك، وعلمنا أن لا خير فيك. كذا في الكشاف.
{أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} أي: من الأوثان: {وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} أي: من التوحيد: {مُرِيبٍ} أي: موقع في الريبة، وهي قلق النفس، وانتفاء الطمأنينة.

.تفسير الآية رقم (63):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ} [63].
{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ} أي: أخبروني: {إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً} أي: حجة ظاهرة، وبرهان وبصيرة: {مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً} أي: هداية ونبوة: {فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ} أي: ينجيني من عذابه: {إِنْ عَصَيْتُهُ} أي: بالمجاراة معكم في أهوائكم {فَمَا تَزِيدُونَنِي} أي: باستتباعكم إياي: {غَيْرَ تَخْسِيرٍ} أي: غير أن تجعلوني خاسراً تعريضي لسخط الله. أو فما تزيدونني بما تقولون إلا تبصرة بكم بأن أنسبكم إلى الخسران.

.تفسير الآية رقم (64):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} [64].
{وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ} الإضافة للتشريف، والإعلام بمباينتها لما يجانسها من حيث الخلقة والخُلق: {لَكُمْ آيَةً} أي: معجزة دالة على صدق نبوتي: {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} من فرط غضب الله عليكم، لاجترائكم على آياته المنسوبة إليه.
ثم أخبر بأنهم لم يسمعوا قوله، ولم يطيعوا بعد رؤية هذه الآية، فقال سبحانه:

.تفسير الآية رقم (65):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [65].
{فَعَقَرُوهَا} أي: قتلوها: {فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} أي: مردود.
قال في الإكليل: استدل به في إمهال الخصم ونحوه ثلاثة. وفيه دليل على أن للثلاثة نظراً في الشرع، ولهذا شرعت في الخيار ونحوه.

.تفسير الآية رقم (66):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} [66].
{فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا} أي: عذابنا وهو الصيحة، كما سيبين: {نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ} أي: بسبب رحمة عظيمة: {مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} وهو هلاكهم بالصيحة: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} أي: القادر على كل شيء، والغالب عليه.

.تفسير الآية رقم (67):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [67].
{وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ} أي: من جهة السماء، فرجفوا لها رجفة الهلاك {فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} أي: هامدين موتى لا يتحركون. ولا يخفى ما فيه من الدلالة على شدة الأخذ وسرعته.

.تفسير الآية رقم (68):

القول في تأويل قوله تعالى: {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ} [68].
{كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ} أي: كأنهم لم يقيموا: {فِيهَا} أي: في مساكنهم: {أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ} أي: فأهلكهم {أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ} أي: هلاكاً ولعنة؛ لبعدهم عن صراطه. وقد قدمنا الكلام على تفصيل نبئهم في الأعراف بما يغني عن إعادته هنا، فليراجع.
ثم أشار تعالى إلى نبأ لوط وهلاك قومه، وهو النبأ الرابع من أنباء هذه السورة، بقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (69):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [69].
{وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا} أي: الملائكة الذين أرسلناهم لإهلاك قوم لوط: {إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} أي: بولد وولده. ثم بين أنهم قدموا على التبشير ما يفيد سروراً، ليكون التبشير سروراً فوق سرور، بقوله تعالى: {قَالُواْ سَلاَماً} أي: سلمنا عليك سلاماً {قَالَ سَلاَمٌ} أي: عليكم سلام، أو سلام عليكم، رفعه إجابة بأحسن من تحيتهم؛ لأن الرفع أدل على الثبوت من النصب.
ثم أشار إلى إحسان ضيافتهم بقوله: {فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} أي: مشوي، أو سمين يقطر ودكه، لقوله: {بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات: من الآية 26].
في ما ثلاثة أوجه: أظهرها أنها نافية، وفاعل {لبث} إما ضمير {إبراهيم}، و{أنْ جاءَ} مقدر بحرف جر متعلق به، أي: ما أبطأ في، أو بأن أو عن {أن جاء}، وإما {أن جاء} أي: فما أبطأ، ولا تأخر مجيئه بعجل. وثاني الأوجه: أنها مصدرية، وثالثها: أنها بمعنى الذي وهي فيهما مبتدأ، و{أن جاء} خبره على حذف مضاف. أي: فلبثته، أو الذي لبثه قدر مجيئه.